الحاجات النفسية للطفل

أطفالنا والحاجة إلى القبول
الحاجة إلى القبول الدكتور مصطفى أبو سعد
أن يستشعر الطفل أنه مقبول لدى والديه فتلك حاجة نفسية توفر للطفل نمواً متوازناً وتربية صالحة لبناء الثقة بالنفس... وتمنحه الطمأنينة وتدفعه إلى الأمام لبناء معالم شخصيته، وتشكل في الوقت نفسه حصانة ضد الاضطرابات النفسية والسلوكية لديه.

قبول الابن ينبغي ألا يكون مرتبطاً بإنجازات معينة. فنحن نقبله لأنه ابننا ولأنه ولد صغير وإنسان ينبغي أن يحترم وتصان كرامته بعيداً عن أي ظروف أخرى سواء أكانت إنجازات أم إخفاقات.

لو علّمنا الولد أننا نقبله إذا أحسن ونرفضه إذا أخطأ، فإننا نشكل لديه حيرة وتذبذباً بين احترام واحتقار وقبول ورفض.

ويؤدِّي هذا التذبذب إلى ضعف في مكونات شخصيته وسرعة استجابته للمؤثرات الخارجية و انقياده للآخرين بلا حدود ولا مقاييس.

وينتج عنه كذلك انهيار حاجات الطفل الأخرى, و منها حاجته إلى المحبة فيرسخ في ذهنه أنَّ رفضه يعني كراهيته وبغضه. و لا يتعلّم الفصل بين السلوك والذات.

إن الإنسان الذي يحترم نفسه هو الإنسان الذي يحسن السلوك والتصرف، والذي يفتقد احترام ذاته لا يمكنه إلا أن يفسد مع نفسه ومع غيره.

ولذلك كان من أهداف الإسلام منذ بداية انتشاره بث معاني العزة و الرفعة لدى المسلمين: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) (و لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون).
• بيئة الأسرة و سلوكها العملي هي التي تغرس في الطفل معاني القبول:إن قبول الولد يعني تهيئته للانخراط في حياة إنسانية واجتماعية فيتعلم منذ نعومة أظفاره كيف يقومُ هوَ بتقبّل الآخرين. فحين يسود في الأسرة الاطمئنان والقبول ينتشر الاحترام والتقدير والسكن والمودة والمحبة. و إذا انعدم القبول بين أفراد الأسرة الواحدة ازداد التباعد والتوتر والشحناء فيما بينهم، وانتشرت سلوكيات الأنانية وحب الذات على حساب سلوكيات التعاون والإخاء. و لذلك يجب على الآباء والأمهات والمربين الحرص على ما يلي:
1) الابتعاد عن السلوكيات الأبوية التي تشعر الولد بالافتقار إلى القبول.2) الحرص على ما يشجع إشباع حاجة القبول لديه.
• سلوكيات الوالدين وتصور الطفل:سلوكيات الوالدين تعكس بشكل كبير تصور الطفل عن ذاته وموقعه لدى الآخرين.

من المهم بالتأكيد أن يكون ابني مقبولاً لديّ ولكن الأهم هوَ النجاح في جعله يشعر بأنه مقبول.

و هذه أربع سلوكيات تربوية غير صحيحة تحرم الطفل من القبول:
1) لا تنتقد الطفل باستمرار:انتقاد الطفل المستمر والتربص به عندَ كل حركة تصدر منه أو كلمة يتفوه بها تولّد لديه إحساساً بأنه مرفوض وتصيبه بالإحباط وخيبة الأمل وتنزع منه الثقة بقدراته وإمكاناته، وقد ينتج عن هذا الوضع خوف دائم من القيام بأي عمل أمام الآخرين وقتل لروح المبادرة التلقائية. فليكن حوارنا إيجابياً مع الأبناء وليتخذ الانتقاد طابع التوجيه الطيب بالتي هي أحسن و ليكن في حالة الضرورة متى رأينا تكراراً و إصراراً من الطفل.
2) لا تلزم الطفل أكثر مما يستطيع:جميل أن يكون الآباء طموحين ويعملوا على بث الطموح لدى أبنائهم، ويشجعون الخطوات المؤدية لتحقيق ما لم يحققه الآباء. و لكن ينبغي ألاّ يمارس هذا الطموح ممارسةً إجباريةً بشكل يلغي ذات الطفل وشخصيته. و أحياناً كثيرة يتطلب طموح الوالدين من الطفل جهداً أكثر مما يستطيع و مشقَّةً لا تراعي مراحل نموه الجسمي والنفسي. و كلما شعر الطفل بعدم قدرته على تحقيق رغبات الوالدين وطموحهما أحسّ بعدم قبوله.
3) لا تقارن الطفل بغيره:المقارنة بين شخصين - علمياً ومنطقياً - سلوك غير صحيح، وغير مقبول لأنهما عالمان مختلفان. و لذلك تتم المقارنة الصحيحة بين سلوكين و ليس بين شخصين. و في المجال التربوي المقارنة بين طفلين لها من السلبيات أكثر من الإيجابيات، حيث تصيب المقارن الضعيف بالإحباط وتولّد لديه شعوراً بالمرفوضية.
4) لا تفرط في الحماية و الدلال:إحاطة الطفل بحماية زائدة تشل قدراته ولا تسمح له بتنميتها ولا باكتساب مهارات جديدة في الحياة... ولذلك لا نبالغ في اعتقادنا: (الإقلال من حماية الولد أقل خطراً من الإفراط فيها )
• كيف تنمي حاجة القبول لدى ابنك؟القبول حاجة نفسية لدى الطفل _وإشباعها ينمي الصفات الإيجابية لديه ويبعده عن الكثير من السلوكيات السلبية التي يمكن أن تتولد من افتقار الطفل للشعور بالقبول. و إذا كانت الوقاية من هذه السلوكيات السلبية تقتضي ابتعاد الآباء والأمهات عن مجموعة من التصرفات سبق بيانها. فإنَّ بناء القبول لدى الطفل وإشباع هذه الحاجة في نفسه تتطلب من الوالدين مواقف تربوية معينة.
1 – امنح الطفل استقلاليته:بعد تجاوز السنتين يبدأ الطفل بالنمو نحو الاستقلالية والاعتماد على الذات، ويسلك في سبيل ذلك طرقاً متعددة منها العناد بكل أشكاله، الإيجابية والسلبية. وكلما شعر الطفل باستقلاليته و رأى تشجيع محيطه كلما شعر بالقبول.
2 – اعترف بالطفل باستقلالية الطفل من خلال معاملتك:حينما نختار للطفل اسماً فإننا نقوم بعملية التمييز والاعتراف به كياناً مستقلاً لا رقماً داخل الأسرة. و لذلك ينبغي تحديد المخاطب دائماً بين الأطفال والتمييز بينهم اعترافاً باستقلاليتهم. و من الخطأ معاملة الأطفال جميعاً بالأسلوب نفسه و مخاطبتهم بالكلام نفسه وإخضاعهم للتربية نفسها، فلكلًّ كيانه الخاص ولكل شعوره وموقعه. ينبغي أن ينشأ الأطفال على هذا الشعور وهذا النمط التربوي. فلو أنجز أحد الأبناء إنجازاً هائلاً احتاج منّا إلى تقدير واحتفال وتخصيص هدية له على ذلك، فهل ينبغي أن نهدي الجميع ونقدر الجميع وكأنهم كيان واحد؟!.
3 – امدح إنجازاته:قدرات الطفل مهما صغرت تجعله يحقق إنجازات تتناسب و إمكاناته الذاتية ومراحل نموه. فما نراه _نحن الكبار_ صغيراً هو في عرف الطفل إنجازٌ. وكلما اعترفنا للطفل بإنجازاته كلما شعر بالرضا عن نفسه واكتسب ثقة في قدراته واستشعر فعلاً أنه مقبول، فامنح ابنك فرصاً لينجز ولا تحطه بسياج من الحماية الزائدة والدلال.
4 – عبر له عن المحبة:ليس المهم أن نحب أبناءنا ولكن المهم أن نعبر لهم عن هذه المحبة بالكلمة والسلوك. وشعور الطفل أنه محبوب يشبع لديه حاجة القبول.
5 – استمتع بتربية ابنك:التربية متعة و تعامل مع زينة الحياة الدنيا، بَرمجْ نفسك على الاستمتاع بالتعامل مع أبنائك. لأنَّك عندما تبدي تعبك من مشقة التربية فإنّ ذلك يبدو للطفل و كأنه استياءٌ من وجوده و تعبيرٌ عن عدمِ قبوله.
6 – تقبَّل اقتراحات الولد:عندما يحاول الابن الإدلاء برأيه _اختباراً لقدراته ودفاعاً عن استقلاليته_ فاسمع رأيه واهتم باقتراحاته مهما كانت _في نظرك_ تافهة فإن الإنصات والاهتمام بما يقوله يشعره بقبولك له وينمي لديه مهارات كثيرة و يقوِّي اعتزازه بنفسه.
7 – تقبل صداقات الولد:إن بناء الطفل علاقات مع أقرانه حاجة اجتماعية (الحاجة إلى الانتماء) لا يمكنه الاستغناء عنها. فابحث له عن الصحبة الصالحة، وأبد ارتياحك وقبولك لأصدقائه، وافتح بيتك لزيارتهم. إن في هذا السلوك الأبوي تشجيعاً للطفل على بناء علاقات سليمة تحت متابعة الأسرة، وفي الوقت نفسه تقوية لقدرته على توطيد العلاقات واكتساب مهارات التعامل مع الآخرين. إن انتقاد الوالد أو الوالدة لأصدقاء الطفل باستمرار وبدون مبررات مقنعة لديه تسبب له أذى نفسياً وإحباطاً، و التعبير عن تقدير أصدقائه يعزز لديه شعوراً ذاتياً بالقبول.
8 – شجعه ولا تحبطه:الطفل يتعثر أحياناً وهذه سنة الله في خلقه. و حين يسقط الطفل يحتاج لمن يساعده على النهوض، لا لمن يعنفه ويحبطه بالتعليق السلبي و التنقيص. لا تظهر نفسك وكأنك كامل. فإن كان الطفل يجد صعوبة في مادة ما، فلا تحبطه بأنك لما كنت في سنّه كنت متفوقاً. بل قل له: أنا أيضاً كنت أجد صعوبة، لكنني تقويت وتجاوزتها بالمثابرة والجد. و إن كان ولدك يخاف من حيوان أو ظلام فهدئ من روعه وأخبره أنك أنت أيضاً كنت كذلك ثمَّ تغلبت على المخاوف.
9 – تعلم فن الإصغاء للولد:الإصغاء والإنصات للولد تعبير عن قبولك له واهتمامك به. والتواصل الذي يتم عبر الحوار والإنصات يحقق شعوراً لدى الطفل بقدرته على إثارة انتباهك و يؤكِّد إحساسه بالقبول. لذلك خصص وقتاً يوميا للإنصات للطفل ولو لبضع دقائق.. وسوف يتعلم الابن الكثير ويبني العديد من المهارات، و سوف يتعلم الأبوان من الطفل أيضاً و يفهمانه أكثر و يكونان أقدر الناس على توجيهه وتعديل سلوكه.
10 – عامل ولدك كما تحب أن تعامل:كم يرتاح الكبار لو سمعوا كلمات الشكر والاعتذار ومجاملات الحديث من مثل (عفواً) (لو سمحت) (شكراً) و ما أجمل أن يتعلم الآباء أن يحاوروا أبناءهم بمثل هذه العبارات الودية الجميلة. سوف تجعل منهم بحق آباء إيجابيين وسوف يُنشئون_ بإذن الله_ أبناء أكثر إيجابية.
إن الأطفال أكثر حاجة من الكبار إلى معاملة الود ولطف الخطاب. وهي من أفضل الطرق للتعبير لهم عن القبول وتعليمهم كذلك كيف يحترمون غيرهم.


أطفالنا والحاجة إلى التأديب
أطفالنا والحاجة إلى التأديب
د. مصطفى أبو سعد
حاجة الطفل إلى التأديب:
إن الطفل بقدر حاجته إلى المحبة والاعتبار والمدح والقبول والطمأنينة، يحتاج كذلك إلى التأديب و وضع الضوابط و القواعد في حياته وعبر مراحل نموه العمرية.

ويخطئ من يظن وهو يمارس أبوته أن الحب وحده قادر على تنشئة الأطفال خير تنشئة. فسياسة "دع ابنك يفعل ما يشاء" و " لا تقل كلمة (لا) لابنك" تنشئ غالبا أبناء لا ينضبطون بضابط و لا يحترمون أحداً و لا يلتزمون بدين أو عرف أو قانون.

بل إن الطفل الذي لا يؤدب بالضوابط والقوانين والقواعد وحضور توجيهات الوالد قد ينشأ معتقداً أنه غير محبوب وغير مقبول لدى أسرته.

إنَّ الإنسان لا ينعم بالحرية، إلا إذا عرف حدود حريته. و قد قال أحد المختصين التربويين ( د.بينز غروفورد )

"إن المشكلات النفسية بين الناشئة لا يسببها التشدد في التأديب بل انعدامه"

وقال هارون الرشيد لمؤدب ولده (الأمين): "ولا تمعن في مسامحته، فيستحلي الفراغ و يألفه، و قوّمه ما استطعت بالقرب والملاينة، فإن أباهما فعليك بالشدة و الغلظة".
سعادة الطفل في تأديبه:إن ابنك إنسان، و أنت تبتغي سعادته، و سعادته لن تأتي بحصاره في نمط معين من الحياة تفرضه عليه، و كذلك فإن سعادة الابن لن تأتي بإطلاق العنان ليفعل كل ما يريده.

إنّ إحساسك الداخليّ يقول لك: إنك أنت أيضا تحتاج إلى رعاية ابنك كما يحتاج ابنك لرعايتك، و إنك ستؤدب ابنك التأديب اللازم عندما تراه قد خرج عن الحدود، و إنك لن تعاقب نفسك بالإحساس بالذنب لأنك فعلت ذلك.
استعن بتجارب الغير:عندما تنظر إلى غيرك من الآباء، عليك أن تتعلم من تجاربهم.
• فإذا نظرت إلى أب يكثر من الصراخ في وجه ابنه عند أدنى بادرة للخروج عن السلوك المطلوب، ستجد أن هذا الابن يكرر للمرة المئة الخروج عن ذاك السلوك المطلوب.
و هنا يمكنك أن تسأل نفسك: لماذا لم يمتثل الابن لطاعة أبيه؟ والجواب هو أن كثرة التوبيخ وكثرة الإهانة للطفل وكثرة الصراخ في وجهه تجعله يسيء الظن بنفسه و بقدراته، و لذلك فإنَّه يكرّر الخطأ.
• وقد تنتقل لرؤية آخر تزوره في منزله وهو يرى ابنه الصغير يحاول أن يضع الشريط في الجهاز بطريقة غير صحيحة، فيقوم بهدوء لابنه فيقول: "يا بنيّ! أنت تريد أن تشاهد هذا الشريط، و بسبب شدّة استعجالك فإنّك تضعه بطريقة غير صحيحة... دعني أضع لك الشريط في الجهاز وراقبني، و بعد ذلك سأخرج هذا الشريط من مكانه لتضعه أنت" إن الابن في هذه الحالة يراقب أباه وهو يؤدي عملية إدخال الشريط بشكل صحيح في الجهاز، وبعد ذلك يقلّد الابن أباه في كل حركة من الحركات الصحيحة، وهنا يثني الأب على ابنه.
إن مثل هذا الأب قد نقل الخبرة بمنتهى الهدوء لابنه، و راقب ابنه و هو يكرر الخبرة بمنتهى التشجيع.
• وقد تنتقل إلى رؤية أب ثالث يأتي ابنه ليسأله عن كيفية خلق الله لهذا العالم، والأب مشغول بمراقبة مسلسل تلفزيوني.
إنّ مثل هذا الأب قد يقول لابنه بعصبية: ليس هذا هو الوقت المناسب للرد على مثل هذا السؤال. و قد يتصرف الأب بلون آخر من السلوك، وهنا يقوم الأب من مكانه أمام التلفزيون ويفتح دائرة معارف مبسطة، ويبدأ في الإجابة رابطاً بذكاء بين تفاصيل العلم المبسّطة وبين آيات القرآن الكريم حول خلق العالم.
التأديب لا يناقض الاحترام:إن احترام الآباء للأبناء أمر أساس و مهم. هذه هي الحقيقة النهائية التي يمكن أن نستخرجها من كل القواعد والنظريات التي ظهرت في النصف الأخير من القرن العشرين. و لكنّ الاحترام لا يجوز أن يتحول إلى ستار نخفي وراءه ضعفنا أو نهرب خلفه من ممارسة مسؤوليتنا نحو الأبناء. و كذلك ليس جائزاً لنا أن نكبت غضبنا بدعوى أننا نخشى على الأبناء من القمع فنعيش في حالة غيظ، و يعيش الأبناء في حالة استهتار.
نعم للتأديب لا للقسوة:
كما إنه ليس جائزاً تحويلُ غضبنا إلى قسوة مبالغ فيها إلى حدِّ إهدار إنسانية الأبناء. إن هذا الإهدار يجعل الأبناء في حالة من الرعب المستمر من الحياة، و يزرع في نفوسهم التشاؤم، و يلقيهم في أحضان الإحساس بفقدان القيمة و الاعتبار.

إنّني لا أنسى على الإطلاق وجه ذلك الشاب الذي كان والده يجلده كلما أخفق في سنته الدراسية. كانت طريقة الجلد مستوردة من العصور الوسطى، إذ يرقد الابن على ظهره ويمسك الأب بساقي ابنه بين فخذيه و يبدأ الضرب العنيف على بطن القدمين. و الغريب أن هذا الابن كان يحفظ الكتب الدراسية عن ظهر قلب، و لكن ما إن يدخل الامتحان و يمسك بورقة الإجابة حتى ينسى كل شيء تماماً!

وعندما صحبه والده مرة لاستشارة أحد الأخصائيين الاجتماعيين، سأله الأخصائي الاجتماعي:"ألا تعلم أن الدين الإسلامي يوجب عليك أن تلاعب ابنك سبعاً، وتؤدبه سبعاً، وتصاحبه سبعاً وتترك له الحبل على الغارب مع التوجيه من بعد ذلك؟" و تساءل الرجل بدهشة كيف نسي ذلك رغم أنه يحاول أن يطبق كل فروضه الدينية!

و حاول الرجل أن يصاحب ابنه، و أن يتخلى عن عادة تحفيظه الكتب الدراسية... و هنا اجتاز الابن بالنجاح امتحاناته كلها حتّى صار مدرّساً.

إن القسوة الزائدة عن الحدود تظهر في أشكال التخلف الدراسي أو في قسوة الأبناء على زملائهم وإخوانهم أثناء اللعب.
لا لسياسة الترصُّد:وهناك نوع آخر من السلوك الأبوي بالغ القسوة وهو أن يحاول الأب أن يترصّد ابنه في أمور حياته كلها، ويحاول أن يسيطر على الابن في كل لحظة من لحظات حياته.

وهذا معناه أن الأب يرتدي جلد ابنه. وفي هذا تفريغ للابن من شخصيته، الأمر الذي يجعله إنسانا غير مميَّز.

إن السيطرة ضرورية لا جدال في ذلك، و لكن بشرط أن نترك للابن فرصة جيدة لتكون له شخصيته الخاصة به لئلا يصبح شخصاً متسلّطاً عند الكبر.
خطواتٌ أساسية في عملية التأديب الصحيحة الناجحة:
1-
 استعمل التوجيه الإيجابي المرتبط بما تريد من الطفل أكثر من استعمال التحذيرات السلبية. فالفعل الإيجابي يحدث أثرا إيجابياً أكثر من الفعل السلبي.
2- أشبع حاجات الطفل للمدح و القبول و المحبة و الطمأنينة فهي أفضل وسائل التأديب.
3- هيئ نفسك للتوقعات وكن مستعداً للتعامل مع المشاكل المحتملة والسلوكيات التي قد تظهر. وحاول إحاطة ابنك بسياج و حصانة و حماية منها قبل نشوبها واستفحالها.
4- كن مبتسماً مشجّعاً ملاحظاً للإيجابيات، و ابتعد عن الاستياء والتذمّر و الانتقاد الدائم.
5- لا تعط تفسيرات سطحية جاهزة للسلوكيات التي تراها عند ابنك، و حاول التعمق في فهمها من خلال فهم دوافعها وطبيعتها، و الرسالة الخفية من ورائها.
6- كن حازماً بدون عنف ولطيفاً بدون تساهل.
7- لا تصرخ ولا تسخر ولا تتهكم على ابنك فتلك من أسوأ الأساليب التربوية المدمّرة لشخصية الطفل.
8- لا تكن آلة لإصدار الأوامر واستعمل لغة الإقناع واشرح ما تريد من ابنك.
9- توقّع الاستجابة الفعلية و الطاعة من ابنك بعد فترة ليست بالقصيرة. لأن الاستجابة السلوكية تحتاج للوقت و البرمجة المتكرّرة حتى تصبح سلوكاً و عادةً لدى الطفل خصوصاً، و الإنسان عموماً.
10- لا تتخذ قرارات سريعة، بل تمعّن و ادرس وكن هادئاً وأنت تفكر في الحلول والأساليب التربوية.
11- لا تمارس الأساليب نفسها مع كل الأبناء، فلكل طفل خصوصياته وظروفه. إذ الطفل الأول يختلف عن الأوسط وكلاهما يختلفان عن خصوصيات الأصغر. ولذلك فإنَّ مراعاة الفروق الفردية ضرورة تربوية لتعامل أفضل مع الأبناء.
12- ضع قوانين و نظاماً و حدوداً لكل التصرفات، وكن أنت أول المحافظين عليها.
13- تذكر أنه بإمكانك تعديل الكثير من السلوكيات المزعجة والتصرفات الطائشة بالتدخل الهادئ و الحوار البنّاء و الملاحظات التذكيريّة المثمرة بدل العقاب واللجوء للعنف و القسوة و الحرمان.
14- لا تؤدّب أمام الجماعة و أمام الآخرين فإن الآثار السلبية لذلك على شخصية الطفل كثيرة، و يمكن أن ينتج عن ذلك ردود أفعال أكثر سلبية.
15- لا تؤدّب أبداً وأنت متوتر و في حالة غضب و انفعال، تدخّل فقط وأنت هادئ، فالتدخّل العصبي والقرارات الآنية أثناء التوتر غالبا ما تعقبها حالة ندم وردود أفعال غير مرغوبة.
16- لا تؤدّب بإرغام الولد على فعل أشياء إيجابية كإرغامه على قراءة القرآن أو حفظ الأحاديث لئلا نربطه سلبياً بالأشياء المحبوبة ويتخذ منها موقفا سلبياً كذلك.

أطفالنا والحاجة إلى الاعتبار والمحبة
الحاجة إلى الاعتبار و إلى المحبةد. مصطفى أبو السعد
وفي حلقة اليوم نتناول الحاجة إلى الاعتبار و التقدير، و الحاجةَ إلى المحبة.

الاعتبار: أول حاجة للطفل وهو يجتاز مراحل نموه النفسي والجسمي، وأول نتيجة لنزوع الطفل نحو الاستقلالية والاعتماد على نفسه والشعور بقدراته الذاتية...

كثيراً ما يلجأ الطفل إلى سلوكيات عديدة - تكون أحياناً مزعجة للأسرة- ولسان حاله ودافعه الأساس إليها هو أن يلاحظه المحيطون به وأن يعترفوا بكونه شخصاً مستقلاً له كيانه وقيمته الخاصة به.

إن الثقة بالنفس والشعور بالقيمة الذاتية هما أمران أساسيان لتشكيل الشخصية المتكاملة للطفل، ولا يتم ذلك أبداً إذا كان ينتابه شعور بقلة وضآلة قيمته، أو كونه لا ينجز شيئاً يذكر.

كما أن مركب النقص وانعدام الثقة بالنفس قد يصيبان الطفل مبكراً إذا لم يجد من يشبع حاجته إلى الاعتبار، و من يقدره ويحبه ويعترف بإنجازاته وقدراته.
 وسائل يلجأ إليها الطفل لإشباع حاجته إلى الاعتبار:قد يلجأ الطفل إلى العديد من السلوكيات المزعجة ليثير اهتمام الوالدين، ولذا يجبُ فهم السلوك ومحاولة معرفة دوافعه النفسية لمعالجة أصل المشكلة وليسَ أعراضها.

ومن هذه السلوكيات التي تكون الحاجة إلى الاعتبار إحدى أهم دوافعها ما يلي:
1 – العناد: بشكله الإيجابي أو السلبي من معارضة واضحة لرغبات الوالدين، أو معارضة مستترة كالنسيان، وعدم سماع الكلام، والتمارض...
2 – التخريب: تخريب الأشياء المحيطة به لإثارة الانتباه إليه.
3 - قلة الأكل: إذا كان ذلك يقلق الوالدين ويثير اهتمامهما.
4 - الصراخ لإثارة الانتباه.

5 – إزعاج الضيوف أو الأجانب في البيت:
 تكون قمة إزعاجه لأسرته في اللجوء إلى سلوك مزعج أمام الضيوف، أو في الأماكن العمومية أمام الناس.6- الكذب الخيالي: يدعي الطفل أنه حقق أشياء كثيرة ليحصل على الاعتبار. وهذه سلوكيات تحتاج إلى الانتباه، وتدارك أسبابها ودوافعها، ولا ينبغي أبداً مواجهتها بالتجاهل، ولا بالضرب والعقاب إذا بها تستفحل وتتطور أكثر.
 ملاحظاتٌ مهمَّة:
أ- لا تجعل ابنك مركز اهتمامك:
دعوتنا إلى الاهتمام بالطفل و سدِّ حاجته إلى الاعتبار لا تعني أبداً أن نجعل منه مركزاً للاهتمام داخل الأسرة.. وإلا فإنه ينشأ على الدلال الزائد والأنانية، و يصاب الوالدان بالقلق والشعور بالذنب تجاه الأبناء، وهذا يؤثر سلباً على العلاقات الزوجية.
ب- لا تكلف الطفل أكثر مما يطيق:من الأخطاء الشائعة في التربية، و حباً في إشباع الاعتبار لدى الطفل قد يطلبُ البعضُ من الطفل أداء أدوار من هم أكبر سناً، أو القيامُ بأنواع اللعب التي لا تناسب قدراته.

و لكنَّ هذه الطرق تصيب الأطفال بمشاعر الخيبة والإحباط، وقلة الثقة بالنفس. ومن هذه الأعمال المضرَّة أيضاً: محاولات تحفيظ الأطفال كلاماً أو عبارات لا تناسب قدراتهم العقلية.
ج- لا تقارن بين الطفل وغيره:لا تبالغ في مدحِ طفلٍ آخر أمام ابنك حتى لو كان أخاه. وحاول أن تجد لدى الطفل ما يستحق عليه الثناء والمدح والاعتبار مهما صغر الأمر؛ لئلا يصاب بالإحباط وحتى لا تزرع لديه الكره والضغينة تجاه إخوته...
 ثمانُ خطوات لبناء الشعور بالاعتبار:
1 - امنح ابنك وقتاً:
 إنَّ تخصيص وقت أساسي للطفل هو ضروري لإشباع حاجته إلى الاعتبار، ولذلك أصغ إليه حين يكلمك، واترك ما بيدك لترد عليه، اجلس معه واسمعه وحاوره.
(مرة رأى ولد صغير أباه يلمع سيارته، فسأله: بابا إن سيارتك تساوي الكثير، أليس كذلك؟ فأجابه الأب: أجل، و إنها تساوي أكثر إذا اعتنينا بها فعندما نبيعها تحرز ثمناً أغلى. فأطرق الصبي لحظة ثم قال: بابا أعتقد أنني لا أساوي كثيراً).
2 – اشعر بقيمتك الذاتية: احترم نفسك وذاتك، واشعر بقيمتك الذاتية حتى تستطيع نقل الاعتبار إلى ابنك.
3 – امنح ابنك الحرية: لا تتصرف عوضاً عن ابنك، ولا تقم بالأعمال بدلاً عنه، ولا تتكلم على لسانه.
دعه يتكلم من عنده، ويتصرف في أموره بكامل حريته وضمن رقابة والديه. عندما نتصرف بدلاً عن الطفل فإننا نعبّر له عن ضآلة أهميته وقلة قدراته.
4- دع ابنك يختار: حرية الاختيار حينما تمنح للطفل تشعره بأهميته، وترد إليه الاعتبار وتحسسه بالمسؤولية.. فلذلك دعه يختر من نوع الملابس التي تعجبه هو، ودعه يأكل ما يشتهي و يختار من اللعب التي يحبها مع رضاك عنها.
5– احترم رأيه: الطفل يتدخل ويدلي برأيه كثيراً. مهما كان رأي الطفل عليكَ أن تشعره بأهميته من خلال حسنِ استماعك إليه.
ناقشه وأقنعه ولا تسفه كلامه و آراءه، أو تستهزئ به حتى لا تصيبه بالخيبة والإحباط.
6 - كلف ابنك ببعض المسؤوليات: يشعر الطفل بأهميته حينما تكلفه ببعض المسؤوليات المحببة إليه، والمراعية لقدراته، فيشعر أن أسرته بحاجة إليه وأنه إنسان مهم وله قدرات وإمكانات وباستطاعته أن ينجز أشياء مهمة.
7 - امدح ابنك: كلما قام الطفل بإنجاز امدحه؛ فذلك يثبت الخير لديه، ويعطيه إحساسا بأهميته.
8 - افتخر بابنك أمام الناس: كلما تحدثت عن الطفل أمام الناس بالخير وعرفتهم عليه وعلى إنجازاته، كلما شجعته أكثر على الإنجاز، وثبتَّ عنده شعوراً قوياً بالاعتبار.
• الحاجة إلى المحبة:من حاجات الطفل الأساسية الشعور بالمحبة. و هي حاجة نفسية إنسانية تحقق الأمن والطمأنينة للطفل وتشبع غرائزه الذاتية التي فطره الله -سبحانه- عليها.

وحاجة الطفل إلى المحبة لا تقل أهمية عن حاجته إلى الطعام، ولذلك نجد الإنسان عبر مراحل عمره يبحث عن بناء علاقات إنسانية توفر له هذه الحاجة ويشعر من خلالها أنه محبوب.

إن الشعور بالانتماء لدى الطفل منذ بداية إدراكه لا يتحقق إلا بإبداء المحبة له، وتوفير جو من الإحساس بالأمن والطمأنينة داخل الأسرة كأول خلية إنسانية تحقق للطفل حق الانتماء.
 هل نحب أبناءنا؟سؤال وجيه لو وجهناه للآباء لكان الجواب الطبيعي... بالتأكيد نحب أبناءنا! ولكن الأسئلة المهمة هي:1 - هل تعبر لابنك عن محبتك؟2 - كيف تعبر لابنك عن محبتك؟3 - هل يعلم ابنك أنك تحبه؟

وهذه هي الأسئلة المهمة التي ينبغي التركيز عليها.
 علم ابنك المحبة بمحبته:يكتسب الطفل المحبة من خلال العاطفة والدفء الأسري من حوله. و إبداء المحبة للطفل يعلمه كيف يحب ويبني عاطفته، ويساهم في نموه السليم من جميع النواحي.

كما إن حرمان الطفل من عاطفة المحبة منذ صغره يؤدي إلى انعكاسات خطيرة على شخصيته تبدأ من ميول إلى الانحراف، أو التقوقع والانطواء على الذات، وقد تنتهي إلى موت الطفل، وهذا ما أكده العلم كثيراً.

إن الحرص على الرضاعة الطبيعية للطفل هو حرص لا يأتي من باب مزايا حليب الأم و حسب، و لكن من باب العاطفة القوية التي تنقلها الأم وتعبر بها للطفل عن المحبة من خلال ضمه واحتضانه والاحتكاك به. وكلما تلقى الطفل المحبة من محيطه، كلما تعلم كيف يحب، وتظل استجابته تتنامى مع نموه.

إنَّ قوة الأب في قوة عاطفته وليس في قسوته.
• أربع خطوات لبناء المحبة لدى ابنك:
1 - عبر لابنك عن محبتك له:
إن المحبة إحساس وشعور، وحقيقة هذا الإحساس تنبع من القدرة على نقله لمن تحب. فلا يكفي أن يحب الوالد أبناءه، ولكن لابد من أن يفصح لهم عن المحبة وينقلها لهم عملياً من خلال التعبير اللفظي "أحبك ابني" أو من خلال التعبير غير المباشر من خلال المعانقة والمداعبة وإمساك اليد وتربيت الكتف واللمسة الحنونة والابتسامة الهادئة والنظر المباشر.

ومهم جداً أن تصل محبة الوالد لابنه من خلال القناتين: اللفظية والحركية.

ويمكن تأكيد هذه المحبة من خلال عادات تكرسها داخل الأسرة؛ مثل قبلة الصباح، وقبلة المساء، والعودة من المدرسة، والدعاء له بالتوفيق، وغيرها من الآداب التي يمكن ممارستها داخل الأسرة.

من لا يعبر عن المحبة لا يحب، ولذلك حرص الإسلام في توطيد العلاقات بين الناس أن يخبر الأخ أخاه بأنه يحبه في الله.
2 - كن مصغيا جيداً لابنك:إن من أهم وسائل التعبير عن المحبة للطفل أن تبدي اهتمامك به وبكلامه فتعطيه فرصاً للكلام وتحسن الإصغاء إليه.

إن فن الاستماع للطفل هو أهم قناة تنقل أواصر المحبة بين الوالد وابنه، وبعبر للطفل عن الاهتمام والانتباه له.

إن الإصغاء للطفل تجعل الآباء قادرين على فهم أبنائهم في كلِّ مراحل عمرهم، ولاسيما عندما يصلون إلى سن المراهقة.

إذا استمع الوالدان للولد وهو صغير أصغى الولد لهما عندما يكبر.
3- أعط ابنك المحبة أكثر من الهدايا:يحتاج الطفل إلى حنان ومحبة والديه أكثر من حاجته إلى كثرة الهدايا والمشتريات، فالمحبة تزرع الطمأنينة وتوطد العلاقات الأسرية وتدفع عن الطفل هواجس الشعور بكراهيته.

و من مظاهر المحبة التي تعوِّضُ عن الهدايا المادية تخصيص أوقاتٍ له، و التحدث معه، و مشاركته اللعب، و استشارته في بعضِ شؤون الأسرة.

إن حاجة الطفل إلى أن يكونَ محبوباً لا يمكن لأية هدية أن تعوضها.

4- ثق في ابنك تعبيراً عن محبتك له:
كلما زادت ثقتك في ابنك وفي قدراته وأخلاقه ومبادئه، كلما استشعر حقيقة محبتك له. وكلما استشعر الطفل ثقتك به كلما عمل على احترامها والظهور في مستوى هذه الثقة، وتعلَّمَ المسؤولية والرقابة الذاتية.

وكلما أظهر الوالد قلة ثقته بابنه كلَّما دفعه إلى الاحتيال والخداع والظهور بصورتين، أو التظاهر بسلوكيات ترضي الوالد و لكنها لا تنبع من داخل الطفل.
• ابنك الآن يحبك؟... عشر علامات للتأكد من الإجابة:
1- 
إذا كنت مثله الأعلى.2- وصديقه الحميم.3- و يهمّه رأيك في سلوكه وأعماله.4- ويفرح بقدومك ويتلهف لغيابك.5- إذا ساءه ما يسيئك.6- وكان حرصه أن يكون دائما بجانبك.7- إذا استشعر أنك أكثر من يحبه.8- يسعد باللعب معك ومداعبتك.9- يحرص أن يكلمك ويعطيك رأيه.10- يفرح بعناقك.
فاعرف أنه يحبك، و ثق في أنه يعرف أنك تحبه.

أطفالنا والحاجة إلى المدح
       
الحاجة إلى المدح
د. مصطفى أبو السعد
المدح رفع للمعنويات وتثبيت للإيجابيات وترسيخ للقيم المقبولة والمحبوبة، ولذلك كان مدح الطفل وسيلة تربوية تشبع حاجة كامنة بداخل الإنسان عموماً والطفل خصوصاً.

وهو منهج تربوي اتبعه الرسول صلى الله عليه وسلم مع صحابته صغاراً كانوا أم كباراً. ومن كمال مدحه لصحابته إطلاق أفضل الألقاب عليهم من مثل: سيف الله وأسد الله، و أمين الأمة، و الفاروق، و الصّديق، و أكثر أمتي حياءً، و الطيار...

والمدح لا يكون فقط فيما نراه لدى الطفل بل كذلك فيما نحب أن يتصف به من صفات وخلق.. ومدح الطفل بما يمكنه أن يفعل أو يكون. إنّه دفع و تشجيع له نحو الخير.
عندما تقول لابنك لبنك)أحسنت) فإنّك تدفعه إلى البحث عن التصرف الأحسن...

وللأسف نرى كثيراً من الآباء والأمهات يبخلون على أبنائهم بالمدح، بينما تجدهم سباقين إلى التوبيخ واللوم لو رأوا ما لا يرضيهم من أبنائهم. و ترى تركيزهم على أخطاء الأبناء وسوء تصرفاتهم بدل التركيز على الإيجابيات والأعمال الحسنة التي تصدر منهم. و من ثم تكثر الانتقادات وتغيب كلمات التشجيع من قاموس كلمات الأبوين.

و لسنا نغالي أبداً عندما نأكّد: (
إن درهماً من المدح أفضل من قنطار من اللوم).

(اعتادت بنت صغيرة أن تذهب إلى المدرسة كل صباح ويداها متسختان...

رأت مدرِّستها أن وسخ يديها يبقى على حاله كلَّ يوم.لم ترد المدرّسة اللطيفة أن تجرح شعور البنت، و قد أحسّت أنها لا تحظى في بيتها بالعناية اللازمة من أبويها، وهكذا حاولت تدارك الأمر بنفسها...

في أحد الأيام توجهت المدرسة إلى تلميذتها و قالت: ما أجمل يديك! لماذا لا تذهبين وتغسلينهما لكي يرى الجميع جمالهما؟...) ذهبت الصغيرة مبتهجة وغسلت يديها وعادت مشرقة الوجه، ثم مدت يديها أمام المدرسة مفاخرة.. ضمتها المعلمة بذراعيها وقالت: (صحيح ما أجملهما! أرأيت الفرق الذي نتج باستعمال قليل من الماء والصابون؟) بعد ذلك صارت الفتاة تأتي إلى المدرسة كل يوم أنظف مما قبله حتى أصبحت أكثر التلميذات ترتيباً...).

لقد تغيرت الفتاة تغييراً إيجابيا بكلمة مدح و تحسنت حالتها.

إن الطفل كلما سمع المدح والثناء لفت انتباهه هذا المديح، وبعث في نفسه الفخر والاعتزاز والدافعية للعمل والإنجاز والقوة لبذل المزيد في كل ما يحقق له مدحاً و رضاً من الآخرين.

والمدح قد يتخذ شكل التلميح والتصريح بشكل مباشر و غير مباشر. و هكذا يمكنك أن توجه المدح إلى الولد مباشرةً و تتناولَ الموضوع صراحةً، أو يمكنك أن تمدحه في معرض حديثك مع صديقك على الهاتف. وكلها وسائل ناجحة في إيصال رسالة المدح و تحقيق السلوك الإيجابي لدى الطفل.
- خطوات ومعايير نحو مدح إيجابي:قد يستحق الطفل المدح لشخصه وبنوته وقد يستحقه لإنجازاته وحسن ما يصدر عنه. و في كلتا الحالتين هو محتاج إلى إشباع هذه الحاجة النفسية التي هي فطرة إنسانية وحاجة بشرية تبدأ مع الإنسان منذ طفولته وترافقه إلى آخر العمر.

و إذا كان الطفل في أحيان كثيرة يسعى للتفوق والإنجاز والانقياد بدافع إرضاء الوالدين فإنه يبقى بحاجةٍ إلى المدح لتعزيز هذه السلوكيات الإيجابية لديه وبناء الثقة في قدرته وسلوكياته.
خطوات عملية:
1. وجِّه تركيزك على الإنجاز أكثرَ من تركيزك على الشخص لذاته:
ينبغي الحرص أكثر على كل ما يصدر عن الطفل من إنجازات مهما كانت ضئيلة في نظرنا، فهي لدى الطفل كبيرةٌ بالقياس مع قدراته الذاتية. و الإنجاز هو كل سلوك يصدر عنه أو خلق يتصف به. ينبغي اجتناب التعميم الذي لا يرسمُ للولد خطوات الطريق نحو الإنجاز، و غنما يجبُ توجيهُ عباراتٍ محدّدةً على منوال الأمثلة التالية:

ما أروعك لأنك هادئ! كم أحبك لكلامك الطيب! ابني رائع؛ لأنه يحافظ على الصلوات الخمس في وقتها...
2. امتدح محاولات الطفل و ليسَ منجزاته و حسب:الطفل في بدايات نموه يحاول فينجح أحياناً و لا ينجز أحياناً أخرى... وهذه سنّة الله في خلقه، فينبغي أن نشجع كل المحاولات وأن نعد كل فشل خطوة نحو النجاح والإنجاز، ولنحذر من تحبيط الطفل أثناء محاولاته.. لئلا يصاب بخيبة الأمل وتضعف ثقته في قدراته.

ولنقتدِ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو في أحلك الظروف وحصار الأحزاب يعِد أصحابه بالنصر والتمكين و يزرع لديهم الثقة في نصر الله ثم في قدرتهم على الصبر والثبات والنجاح.
(الفشل خطوة نحو النجاح.. ومن الفشل يتعلم الإنسان)
3. مدح ابنك تعبيرُ عن رغبتك فيه و قبوله:
إنَّ مدحك لابنك يزرع لديه الشعور بأنه مرغوب فيه و يبثُّ فيه الطمأنينة. و أما غياب مدحك لأبنائك فيوحي إليهم بأنك لا تحبهم أو لا يهمّك أمرهم أو أنك لا تعترف بقدراتهم واستقلاليتهم. ومن هنا تنشأ الشخصيات الضعيفة المنطوية غير القادرة على تحقيق النجاح والتفوق ومواجهة الظروف الاجتماعية و النفيسة.
4. امدح وأنت مقتنع ولا تجامل:الطفل يعرف بإحساسه وذكائه متى تكون صادقاُ في مدحك ومتى تكون مبالغاً ومجاملاً. لذلك احرص على مدح كل ما تراه صالحاً فيه ولو صغر، وكل محاولة صالحة لديه ولو لم تتم. و ابتعد عن أسلوب المدح للمدح أو التفاخر أو المبالغة المضرة.
5. أعطِ ابنك حقه من المديح قبل أن تذبل فرحته بالنجاح:يتعزّز الإنجاز لو أسرعت بالمدح ساعة تحقيقه وهو أحسن المدح و أكثره نجاعة و إيجابية. كما أن لحظة الإنجاز عادة ما ترافقها مشاعر السعادة والفرح وهي لحظات مهمة لربط الطفل بكلمات إيجابية تصبح جزءاً من دوافعه الإيجابية على مر الزمان.

لو سمع منك ابنك كلمة (ما شاء الله) أو (ما أروعك!) في لحظات سعادته بإنجاز ما فإنَّ هذه الكلمات تترسّخ في ذهنه مرتبطةً بكل المشاعر الإيجابية و تصبحُ حافزاً نحو العمل والإنجاز. ويمكنك استعمالها وسائل َربطٍ لتوجيهه وتعليمه.

إن المسلمين ارتبطت مشاعر القوة والاطمئنان لديهم بعبارة: (الله أكبر) وهم يكررونها في الصلاة باستمرار، وبالتالي تحولت هذه الكلمة إلى ربط إيجابي يرفع المعنويات ويزرع الحماس والجرأة، و بها يتغلبون على مشاعر الخوف، و هم يرددونها في الجهاد و مواجهة الصعاب و المحن.
مقتبس من مجلة الابداع

هناك تعليقان (2):